صباح الشرق
المقاوم جعفر محمد بن علي الدرقاوي هو أحد المؤسسين الأوائل للمقاومة وجيش التحرير بالمنطقة الشرقية والشمالية وأحد الوطنيين البارزين بمنطقة بني يزناسن.
ولد المرحوم الدرقاوي سنة 1918 بزاوية أونوت، ملحقة تافوغالت المجاهدة، عمالة بركان، وينتسب إلى عائلة قروية، وكان أبوه فلاحا، وكانت أسرته من أعيان القبيلة. نشأ نشأة أبعدته عن العمل وزراعة الأرض، فالتحق بكتاب القرية. أجاد حفظ كتاب الله، وبعد ذلك شد الرحال إلى جامعة القرويين بفاس، حيث درس هناك علوم الشريعة الإسلامية، ولما تقدم في الدراسة، فكر في المستقبل بعد انتهاء رحلته في طلب العلم والمعرفة، فنقل إلى مسقط رأسه بضواحي أبركان، فاشترى دكانا متواضعا، وتعاطي التجارة، ومن هنا جاءت شهرته حيث كان الوطنيون يتوافدون عليه ويلتفون حوله يتناولون في مواضيعهم الأمور السياسية والدينية.
عين رئيس دائرة بزايو في 18 نونبر 1955، وعندما التحق عامل الناظور عبد الله السوسي بالمدرسة الإدارية، عين مكانه سنة 1956، ليدفع استقالته في 19 شتنبر 1957.
كان بأخلاقه الفاضلة يحتل مكانة مرموقة بين قبيلته، رغم صفر سنه.
ومن هنا بدأ حياته السياسية، فكان يعطي دروسا من أجل توعية الوافدين إليه من جميع القرى المجاورة وذلك في دكانه المتواضع نهارا ويسهر مع اخوانه الوطنيين ليلا لإعطائهم المزيد من المعلومات وحثهم على لنهوض والوقوف إلى جانب إخوانهم المعذبين والمشردين في السجون.
وتم اعتقاله عدة مرات حيث أن القوة الاستعمارية أذاقته أنواع التعذيب، وإثر حوادث المغرب التأييدية لتونس في نونبر 1952 بمناسبة اغتيال المناضل فرحات حشاد وقعت اعتقالات في جميع جهات شرق المغرب، وتم اعتقاله مع طائفة من الوطنيين إلى حاسي عريشة ملحقة تندرارة تم العقرب أحواز تاوريرت فتاوريرت نفسها، وذلك لمدة سنتين وأربعة أشهر. وبعد إطلاق سراحه، ظل مراقبا لينتقل إلى المنطقة الشمالية التي كانت تحت السيطرة الإسبانية والتقى هناك ببعض المجاهدين منهم عبد الله الصنهاجي وعباس المساعدي وميمون الرحماني، وغيرهم من المجاهدين الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل كرامة الوطن. وقد تم تأسيس القيادة العليا لجيش التحرير بالناظور، وكان على رأسها الشهيد المجاهد عباس المساعدي وعبد الله الصنهاجي والمناضل الدرقاوي وجلول الهواري ويوب الفكيكي وملال الحبيب الفكيكي ومحمد بن الميلود.
وبدأت عملية المقاومة المسلحة، حيث كانوا يحصلون على الأسلحة من اسبانيا ومن بعض الدول كمصر لمساعدة تحرير المغرب الكبير، وتم نقل الأسلحة على متن الباخرة الدنماركية دينيا التي كانت ترسو بميناء کبدانة رأس إقليم الناظور، وكذلك الأسلحة التي أتت بها الباخرة المصرية المعروفة باسم النصر، فبدا السلاح الذي حافظوا على سر وجوده مختبئا في منطقة كبدانة. بدأت عمليات الفداء، وقد حضر إفراغ هذين الباخرتين بعض قادة ومؤسسي جيش تحرير المغرب الكبير الراحل محمد بوضياف وعبد الوهاب الجزائري ومن الجانب المغربي حضر الشهيد عباس المساعدي وعبد الله الصنهاجي وجعفر الدرقاوي والمرحوم ميمون الرحماني والمرحوم جلول الهواري ومحمد بن إبراهيم السوداني الذي جاء على رأس الباخرة دينيا والذي كان يقوم بالتنسيق بينم وبين الجماعة المكونة من طرف الراحل جمال عبد الناصر لمساعدة جيش التحرير، ثم نقل الأسلحة إلى مكان يسمى الكرمة بالضفة الشمالية وهو المركز الرئيسي للأسلحة المستوردة. وتظافرت الجهود تلو الأخرى وأسسوا فرق جيش التحرير في جميع المناطق المغربية، وانطلقت حرب العصابات تحشد الثكنات العسكرية الاستعمارية الفرنسية وعملائها وجواسيسها وأذهلت القوات الفاشية الظالمة وأدخل عليها الرعب والفزع ووقعت اتفاقيات وعقد أول ميثاق بين الطرفين المغربي والجزائري بالإجماع ورد فيه ما يلي:
1- تتألف لجنة تنسيق جيش تحرير المغرب العربي الكبير من أربعة أعضاء اثنان من الجزائر وهما محمد بوضياف والعربي بالمهيدي واثنان من الغرب وهما الشهيد عباس المساعدي والمجاهد عبد الله الصنهاجي، وبمقتضى هذا الاتفاق انتخبت اللجنة كاتبا لها وهو عباس المساعدي وأمينا لها وهو محمد بوضياف، ونظرا لاهتماماتهم بالقطر الجزائري الشقيق، قرروا أن يجعلوا تعهدا مكتوبا في ما بينهم يخص الأسلحة وموقعا من الطرفين وجاء فيه:
كل ما يصل إلى أيدينا من أسلحة وذخيرة ومال يأخذ منه إخواننا الجزائريون الثلثين ونأخذ منه نحن المغاربة الثلث.
مساعدتهم من طرف المغاربة على تكوين مراكز سرية في مناطق كبدانة وبني يزناسن وبالخصوص في أبركان وأحفير المجاورة للتراب الجزائري.
مساعدتهم بالرجال على نقل نصيبهم من الأسلحة والذخيرة الحربية من الجهة الشمالية الشرقية المغربية إلى داخل القطر الجزائري الشقيق. ولتكوين أطر جيش التحرير، اتخذوا جناحا من مركز قيادة جيش التحرير المغربي فجعلوه مدرسة لتتدرب فيها وتتكون فرق من الرجال الذين يتحملون مسؤولية الجيش وتكوينهم في حرب العصابات التي ستواجه بها قوات الاستعمار. وكان الأبطال القائمون بهذه المهمة على التوالي هم: الشهيد عباس المساعدي وعبد الله الصنهاجي والعربي بن المهيدي ويساعدهم المرحوم ميمون الرحماني والمرحوم محمد بن علي الدرقاوي في الناظور والذي كان عضوا لقيادة جيش التحرير.
يسير بنا التاريخ المشهود إلى التواصل والتآزر والتراحم والمعاملات الحسنة التي كان يقوم بها مع اللاجئين الجزائريين المقيمين هناك. لقد كان الراحل الهواري بومدين يسكن عمارة كان يسكنها المناضل الدرقاوي وكانت بينهما صداقة أخوية وحميمية وكذلك مع الراحل محمد بوضياف وبعض أعضاء قيادة جيش التحرير الجزائري. فعلى الرغم مما أسداه إليهم المغرب ملكا وحكومة وشعبا وما أمدهم به بنو يزناسن على الخصوص من مساعدات، فقد يعجب الإنسان من هذه المواقف الغريبة التي تصدر من إخواننا الجزائريين وهم في عقر ديارنا ولولا مساعدتهم على تحريرهم من بطش الاستعمار الغاشم، لامتدت الحرب عدة عقود أخرى.
عندما استعاد المغرب سيادته واستقلاله وعاد المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه إلى أرض الوطن مع وارث سره آنذاك المغفور له الحسن الثاني وعائلته الكريمة وبدأت الاحتفالات في جميع أنحاء المغرب فرحين بمقدم العاهل المفدى مرفوع الرأس وسط شعبه الوفي وبعد مرور بضة أشهر، قام المغفور له محمد الخامس بأول زيارة من نوعها إلى الناظور مرفوقا بولي عهده، حيث أقيمت احتفالات مشهودة فرحا بمقدم العاهل المفدى في زيارة أعادت الثقة للمواطنين بعزم مواصلة البناء والنماء.
