العيون سيدي ملوك : قلعة يقور معلمة أثرية من العصر الوسيط بحاجة إلى التفاتة و رد الاعتبار

daoudi
2022-05-13T14:41:09+00:00
أجناس كبرى
30 أبريل 2022

ya9our moni el aioun1 - www.sabahachark.com

صباح الشرق / زكرياء ناجي

قليلة هي و شبه منعدمة الأبحاث و الدراسات التاريخية ، التي تناولت بالبحث و التحليل ذاكرة و مجال العيون سيدي ملوك ، خاصة في العصور الوسطى و ما قبلها ، و ذلك بسبب ندرة المراجع التاريخية و الإهمال و التخريب الذي تعرضت له أغلب المأثر التاريخية القديمة بهذا المجال سواء بفعل عوامل الزمن أو الإنسان .
و إذا كانت قصبة المولى إسماعيل وسط مدينة العيون سيدي ملوك و التي يعود تاريخ بناءها إلى سنة 1679 م ، قد نالت و لو جزئيا حظها من الاهتمام و الكتابة التاريخية ، من طرف العديد من الباحثين و المستكشفين و الرحالة خصوصا في فترة الحماية و ما قبلها ، فإن معالم أثرية أخرى بذات المجال الترابي للعيون سيدي ملوك تؤرخ لحضارات تعاقبت على المنطقة خلال حقب زمنية غابرة ، ضلت بعيدة كل البعد عن أي اهتمام أو دراسة من طرف المختصين و الباحثين ، رغم قيمتها التاريخية المهمة التي تعد إحدى الأوراق الرابحة للتنمية و إنعاش السياحة الثقافية بالمنطقة .

و لعل من بين الشواهد التاريخية التي رسمت ذاكرة المنطقة في العصور الوسطى ، و التي تحتاج لتعميق الدراسة و البحث حولها ، نجد قلعة يقور التي تؤرخ للحقبة المرينية – الوطاسية ، ونأمل أن تثير المعطيات و الجوانب المدروسة في هذا التحقيق ، فضول الباحثين و عموم المهتمين لمزيد من البحث و النبش في مختلف محطات تاريخ و ذاكرة العيون سيدي ملوك .

قلعة يقور شاهدة على الحقبة المرينية – الوطاسية

من بين تلك الشواهد التاريخية التي يزخر بها المجال الجغرافي للعيون سيدي ملوك ، نجد قلعة يقور بمحاذاة وادي بورديم ( 07 كيلومتر شرق المدينة ) بالقرب من دوار لغواط بقبيلة أولاد سيدي الشيخ ، وهي معلمة أثرية بامتياز تؤرخ للحقبة المرينية – الوطاسية ، تم تشييدها في موقع إستراتيجي منبسط محمي طبيعيا بوادي بورديم و وادي خثرانة من ثلاثة جهات ( الشرق ، الشمال و الغرب ) ، و يتيح مراقبة طريق “محج السلطان” باعتباره أقدم مسلك للقوافل التجارية و الحجيج الذي كان يربط مدينة فاس بمدينة تلمسان .
وحسب المراجع التاريخية المتوفرة ، فقد ورد ذكر قلعة يقور أول مرة في كتاب رحلة ابن عابد الفاسي من المغرب إلى حضرموت لمؤلفه الرحالة الشريف يوسف بن عابد بن محمد الحسيني الفاسي المغربي المزداد سنة 965 هجرية الموافق لسنة 1557 م ، بقوله “تم مات خالي محمد بن عبد الله بعد والدي و دفنوه في مقبرة حول يقور و هي مقبرة لأبناء عمنا يحيى بن إبراهيم بن أبي الوكيل” …، و من خلال ما ذكره الرحالة ابن عابد الفاسي ، نستشف أن قلعة يقور كانت متواجدة في تلك الفترة ( القرن 16 و قبله ) و بجانبها مقبرة ، و هو ما تؤكده المعطيات من عين المكان في وقتنا الراهن ، حيث ما زالت المقبرة متواجدة بالجهة الشمالية للموقع و تضم عشرات القبور الظاهرة للعيان و المتناثرة هنا و هناك .
كاتب آخر ، أسهب في الإشارة و وصف قلعة يقور بأدق التفاصيل و يتعلق الأمر ب ( م . بونجون ) الذي شغل منصب الحاكم العسكري الفرنسي لمدينة العيون سيدي ملوك و نواحيها سنة 1934 إبان فترة الاستعمار الفرنسي الغاشم ، و من ضمن ما جاء في كتابه المعنون ب ( السجع قبيلة بدوية بين البربر) الصادر عن وزارة الداخلية الفرنسية ضمن
Documents du centre des hautes etudes administratives sur l’afrique et l’asie modernes – universite de paris

نحيلكم على المقتطف التالي ” على بعد 6 كلم من العيون ، من جهة الشرق ، يوجد يقور برأس بورديم و يبدوا أنه كان بيتا لأحد القواد الكبار ، و تسمح أسس البناء بإعادة رسم تصميمه ، فأسواره ذات شكل غير منتظم يبلغ طولها 400 متر و عرضها حوالي 300 متر تضم من جهة مجموعة من البنايات على شكل V في الجنوب تنفتح على مشور نصف دائري مجاور لأحد الأجنة ، بها بئر و صهريج للري ، و من جهة أخرى بها مجموعة من البنايات الصغيرة بنيت كما اتفق ، يسكنها دون شك أتباع صاحب هذا المكان ، و حكي لي من السجع من أستعملهم كعيون لي أقاصيص عن بطولات و مآثر سلاطين بني وطاس الذين سكنوا يقور ، إذ كانت قلائد كلابهم السلوقية مصنوعة من زريدات الذهب الخالص و كانت حدوات خيولهم من الفضة و مساميرها من ذهب .. و إني لأتأسف أن يتأخر الأمر حتى الآن دون أن تنجز حفريات تمكن من العثور على بعض المآثر من هذه العظمة” .
و من خلال وصف ( بونجون) ، يتبين أن الموقع كان مقرا لقائد كبير صاحب نفوذ و قوة إبان الفترة المرينية – الوطاسية ، و هو ما يفسره تواجد القلعة على منبسط بمساحة تقارب 12 هكتارا بخلاف القلاع و القصبات التي كانت تبنى في الجبال و المرتفعات لتعزيز الحماية ضد الأعداء ، و كذا احتواءها على قصر سلطاني و عدد من المباني الصغيرة الخاصة بالخدم و الجنود إلى جانب ضروريات الحياة المتمثلة في بئر و صهريج للري و سور كبير يبلغ عرضه أكثر من متر مبني بالحجارة و التراب يحيط بالقلعة من كل الجوانب ، و ما زالت ملامحه ظاهرة لحدود الساعة .

وصف ( بونجون ) لهذه القلعة التاريخية “بالعظمة ” ، لم يكن من باب التضخيم و إعطاء الأشياء أكثر من قيمتها ، بل هي حقيقة ظاهرة للعيان من خلال مساحتها الشاسعة ( أكثر من 12 هكتارا ) و تواجدها في موقع إستراتيجي محمي طبيعيا ، منغلق من ثلاثة جهات و ينفتح من الجهة الجنوبية على منطقة خصبة فلاحيا ، و هو ما أهلها بأن تكون مدينة متكاملة في حينها ، زاول سكانها “بنو وطاس” أنشطة القنص و الفلاحة ، و شهدت فترتهم نماء و رغدا في العيش يفسره كما ذكر (بونجون) صنع قلائد كلابهم السلوقية من الذهب الخالص و حدوات خيولهم من الفضة و مساميرها من ذهب ، و هو ذات المعطى الذي تؤكده الرواية الشفوية المتوارثة و المتداولة لدى سكان و شيوخ المنطقة ، الذين يتحدثون عن الرخاء و النعيم الذي عاش فيه سكان القلعة قديما و شجاعة و بسالة فرسانهم في ساحات المعارك .

أصل التسمية و دور القلعة في تأمين طريق القوافل و صد هجمات الزيانيين

بحسب الدكتور محمد الغرايب مترجم كتاب ( بونجون ) ، فمن المعلوم أن سلاطين بني وطاس مرينيو الأصل أي من قبيلة زناتة الأمازيغية و ينحدرون من فكوس بن كرماط و أهم فروعهم بنو الوزير و كانت مواطنهم بين تلمسان و تاهرت ، دخلوا المغرب في ركاب المرينيين و استولوا على تازوطا بمنطقة الريف و أبانوا عن قدرة فائقة في الإدارة فاستعملهم المرينيون في أمورهم … ، من هنا يتضح أن تسمية يقور تسمية أمازيغية يربطها البعض بكلمة “تقور” بمعنى الأرض الطينية الثقيلة ، و هو تفسير أقرب إلى الصواب بحكم أن المنطقة التي تتواجد عليها قلعة يقور يطلق عليها السكان المحليون إسم “خثرانة” أو “الفيضة” و هي منطقة فلاحية خصبة معروفة بكثرة الأوحال و الطين خلال فترات تهاطل الأمطار و فيضان وادي بورديم و وادي خثرانة .

الدكتور رضوان رابحي ، الباحث و المهتم بتاريخ و ذاكرة مجال العيون سيدي ملوك ، يشير إلى أن تواجد قلعة يقور بهذه الرقعة الجغرافية ، التي أطلق عليها الإخباريين و الرحالة القدامى أمثال ( ابن خلدون و العبدري … ) إسم “مفازة أنكاد” أو “قفر أنكاد” ، و كذا تموقعها بمحاذاة ( طريق محج السلطان ) ، يسمح لنا بالقول أن القلعة لعبت دورا هاما خلال العصر الوسيط في مراقبة هذا الطريق الحيوي الذي كان يربط فاس بتلمسان ، خاصة زمن الصراعات و الحروب الدائرة بين الدولة المرينية و بنو عبد الواد (الزيانيين) و عاصمتهم تلمسان .
إلى جانب ذلك يضيف الدكتور رابحي ، أن القلعة أدت أدوارا مهمة في إخضاع القبائل المجاورة و تطويعها لحفظ الأمن و النظام ، و كدا في صد هجمات الزيانيين ، التي كانوا يقومون بها من حين لأخر من أجل بسط سيطرتهم على سهل أنكاد و الأطراف الشرقية للمغرب الأقصى ، مستغلين في ذلك تواجد المنطقة في أقصى طرف الحكم المركزي و بعدها عن العاصمة فاس و كذا انشغال المرينيين في تلك الفترة بترتيب شؤون البيت الداخلي و إخماد التمردات التي كانت تعرفها بعض مناطق نفوذهم بين الفينة و الأخرى ، و كدا تحملهم مسؤولية الدفاع عما تبقى من وجود مغربي إسلامي في الأندلس .
في ذات السياق ، يشير الدكتور مصطفى نشاط الأستاذ بكلية الآداب بوجدة عبر عدة مقالات و دراسات إلى الاستنزاف الذي تعرضت له المنطقة المدروسة و ضمنها مجال العيون سيدي ملوك خلال فترة الصراع بين المرينيين و الزيانيين ، واصفا إياها “بالمحنة” ، أي محنة ساكنة المنطقة بسبب حروب الكر و الفر بين الطرفين .

قلعة يقور تنتظر التفاتة من المسؤولين

رغم الحمولة التاريخية المهمة التي تزخر بها قلعة “يقور” و التي رسمت جزء من تاريخ و ذاكرة المنطقة خلال العصور الوسطى ، إلا أنها تعرضت لأبشع مظاهر التخريب و الإهمال ، وأكثر من ذلك، فالعديد من أبناء العيون سيدي ملوك و نواحيها لا يعرفون حقيقة هذا المكان، الذي كان على السلطات المحلية و المسؤولين و المعنيين بشؤون الثقافة العمل على حمايته و تثمينه ، في أفق القيام بدراسات أكاديمية و اركيولوجية ، تنتهي بإعادة تصنيفه حتى يساهم في إنعاش السياحة بالمنطقة و يعزز مكانة المدينة ثقافيا و تاريخيا

moni-ya9our-ain-lehjer-1
moni-ya9our-ain-lehjer-2
moni-ya9our-ain-lehjer-3
moni-ya9our-ain-lehjer-4
moni-ya9our-ain-lehjer-5
moni-ya9our-ain-lehjer-6
moni-ya9our-ain-lehjer-7
moni-ya9our-ain-lehjer-8
moni-ya9our-ain-lehjer-9
moni-ya9our-ain-lehjer-10
moni-ya9our-ain-lehjer-11
moni-ya9our-ain-lehjer-12
moni-ya9our-ain-lehjer-13
moni-ya9our-ain-lehjer-14
moni-ya9our-ain-lehjer-15
moni-ya9our-ain-lehjer-16
moni-ya9our-ain-lehjer-17
moni-ya9our-ain-lehjer-18
moni-ya9our-ain-lehjer-19
moni-ya9our-ain-lehjer-20
moni-ya9our-ain-lehjer-21
moni-ya9our-ain-lehjer-22
moni-ya9our-ain-lehjer-23
moni-ya9our-ain-lehjer-24
moni-ya9our-ain-lehjer-25
moni-ya9our-ain-lehjer-26
moni-ya9our-ain-lehjer-27
moni-ya9our-ain-lehjer-28
moni-ya9our-ain-lehjer-29
moni-ya9our-ain-lehjer-30
moni-ya9our-ain-lehjer

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.