بقلم: فاطمة الزهراء جبوري، طالبة باحثة بسلك الدكتوراه في القانون العام
شكل دستور 2011 فرصة تاريخية و قفزة نوعية لجعل المغرب بلدا ديموقراطيا و حداثيا من خلال تنزيل العديد من المقتضيات التي تنص على احترام حقوق الإنسان و ترسيخ دولة الحق و القانون و من خلاله إعطاء المرأة المغربية كامل حقوقها، بهدف تقليص حجم الهوة التي تكونت تاريخيا اجتماعيا و ثقافيا بين الجنسين
تضمن دستور 2011 ضمانات لحماية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا مع حظر و مكافحة كل أشكال التمييز بين الأفراد بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان.
و قد نص الفصل 6 من الدستور على ضرورة تفعيل مبدأ المساواة بين الجنسين و ينص في هذا الاطار على ما يلي:” تعمل السلطات على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات و المواطنين، و المساواة بينهم و من مشاركتهم في الحياة السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية ”
كما خص الدستور في فصله 19 المرأة بمكانة خاصة عبر إقرار هيئة للمناصفة و قد جاء الفصل كما يلي ” تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال و النساء و تحدث لهاته الغاية هيئة للمناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز”.
التنصيص على كون الدولة تسعى إلى تحقيق مبدا المناصفة بين النساء و الرجال يعكس إرادة الدولة في الرفع من مكانة المرأة و إعطائها الأولية في العديد من المجالات على رأسها المجال الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي كما جاء في الفصل 19 ” يتمتع الرجل و المراة على قدم المساواة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور و في مقتضياته الأخرى، و كذا في الإتفاقيات و المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، و كل ذلك في نطاق أحكام الدستور و ثوابت المملكة و قوانينها”.
إن مبدأ المناصفة بين النساء و الرجال من الأسس التي ينبني عليها دمقرطة أي مجتمع، و من الثوابت التي ترتكز عليها الدول في سن تشريعاتها، و يتعلق الأمر بإدماج الثنائية الجنسية للمواطنين ضمن مفهوم الديموقراطية و بالتالي ضمان تمثيلية ثنائية في الهيئات المنتخبة، فبفضل المناصفة يبرز نصف مخفي من المجتمع، و من هذا المنطلق يستمد مبدأ الكوطا مشروعيته.
و المناصفة على عكس الكوطا ليست اجراءا مؤقتا بل عمل نهائي و غاية في حد ذاتها و هي أرقى درجات الكوطا 50في المائة لكل جنس و لكنها تبقى هدفا استراتيجيا، من أجل الوصول له يتم العمل من أجله عبر مراحل من خلال تطبيق نظام الحصص..
يهدف التأسيس لمفهوم المناصفة بين الجنسين إلى تعزيز تكافؤ الفرص بين الجنسين على أرض الواقع، بما يساهم في إتاحة فرص المشاركة الحقيقية للمرأة في الحياة العامة و في الترقي للمناصب القيادية التي يتم من خلالها المساهمة في إتخاذ القرارات المؤثرة في حياتها اليومية.
تعرف المناصفة بين الجنسين على أنها المساواة العددية و الحضور و التمثيل المتساوي للنساء و الرجال في جميع مراكز اتخاذ القرار بالمؤسسات، سواء على مستوى القطاع العام أو القطاع الخاص أو السياسي.
و في إطار ملائمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات و المعاهدات الدولية و التي تنص في مجملها على تمثيل النساء في المجال السياسي تمثيلا حقيقيا و ليس شكليا، فقد أصدرت المملكة المغربية مجموعة من القوانين لتحسين تمثيلية النساء في المجالس المنتخبة، و على رأس هاته القوانين نجد القوانين التنظيمية للجماعات الترابية(تمثيلية النساء في المجالس المنتخبة) ، الهيئات الاستشارية في المجالس المنتخبة، و القانون التنظيمي للأحزاب السياسية.
أما في ما يتعلق بنتائج الانتخابات الأخيرة (8 شتنبر 2021) و التي سبقتها تعديلات مهمة في القوانين الانتخابية خاصة تلك المتعلقة باللوائح النسائية، فقد تم اعتماد اللوائح التشريعية الجهوية بدل الوطنية و التي كان معمول بها سلفا، و قد كان نصيب جهة الشرق منها سبعة مقاعد، أما في ما يخص الانتخابات التشريعية بجهة الشرق فقد جاء توزيع المنتخبين حسب النوع على الشكل التالي: 95،65% رجال في ما كان حصة النساء 4،35% فقط مما يعكس انعدام الإرادة لدى الفاعل السياسي في ادماج حقيقي للنساء لولا ارادة الفاعل التشريعي و الذي ألزم من خلال اللوائح الجهوية بتواجد 30 % من النساء في القبة التشريعية.
في جماعة بركان نموذجا في ما يتعلق بالانتخابات الجماعية فإن توزيع المترشحين حسب الهيئات السياسية و نظرا للإلزامية القانونية فإنه كان لا بد من احترام تواجد الثلث من المترشحين من النساء و ذلك بنسبة 35،58% مقابل %64،42 من الرجال، إلا أن العدد عرف تراجعا طفيفا بعد إعلان النتائج ليتقلص إلى 34,29% و ذلك ب 11 عضوة من مجموع 35 عضو الممثلين للجماعة.
أما في ما يتعلق بباق جماعات الإقليم فإن التمثيلية النسائية بالجماعات الترابية كانت 25،65% بمقابل 74،34% من الرجال.
من خلال هاته الأرقام و كقراءة بسيطة يتبين لنا بأن المشاركة النسائية و إدماج النوع رهين فقط بالإلزامية القانونية و ليس بالإرادة السياسية حيث أن الفاعل السياسي لم ينسلخ من ذكوريته، و لم يبلغ من الوعي السياسي من يمكنه من العمل جنبا لجنب من المرأة داخل الحزب السياسي و بلورة ذلك من خلال المشاركة الإنتخابية الحقيقية حيث أننا لا زلنا رهيني ما يلزمنا به النص.
إن هذا التطور الذي عرفه المغرب و لو بشكل بسيط يعتبر أمرا جيدا و خطوة نحو التمكين السياسي للمراة، فإدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية ليس بالامر الهين و يتطلب تظافر جهود جميع الفاعلين ، حيث تنبني مقاربة النوع الاجتماعي على الادراك القوي للادوار و الحاجيات و العلاقات الاجتماعية، و ذلك من خلال اعداد و تتبع و تقييم السياسات العمومية، اعتمادا على اطار ادماج النوع و تحديد تموقع كل من الرجل و المراة بمختلف الشرائح العمرية، و ربط سياسة المساواة بين الجنسين بالادماج السياسي للمراة و تحقيق مبدا المناصفة، من خلال الاستجابة بشكل منصف للحاجيات الآنية و الاستراتيجية للحركة النسائية المغربية.