صباح الشرق / متابعة
بدأت ملامح تفعيل ميثاق الاستثمار الجديد تتضح بصفة متسارعة في المغرب، بعد إصدار ثلاثة مراسيم تطبيقية ضمن الجريدة الرسمية عدد 7177، بشكل يسعى إلى تحفيز الاستثمار الخاص ورفع حصته إلى الثلثيْن بحلول 2035، كما نادى بذلك تقرير النموذج التنموي.
النصوص الثلاثة، التي طال انتظارها، تخص “نظام تفعيل الدعم الأساسي للاستثمار، ونظام الدعم الخاص المطبق على مشاريع الاستثمار ذات الطابع الإستراتيجي، وقائمة الأقاليم والعمالات التي يمكن أن تستفيد مشاريع الاستثمار المنجزة فيها من منحة ترابية”.
الميثاق كان قد نص في قانونه الإطار على وضع أنظمة لمنح دعم مالي للمستثمرين، من بينها “منحة ترابية” للاستثمارات في الأقاليم والعمالات خارج محور طنجة-الدار البيضاء، و”منحة قطاعية” لفائدة مشاريع الاستثمار المنجزة في قطاعات الأنشطة ذات الأولوية؛ فضلا عن نظام خاص لمشاريع الاستثمار ذات الطابع الإستراتيجي.
“أقاليم نائية ذات أفضلية”
وفق القرارات الجديدة التي أمضاها عزيز أخنوش، فإن المنحة الترابية تصل إلى 10 في المائة من مبلغ الاستثمار المنجز في 36 عمالة وإقليماً؛ من بينها العرائش والمضيق ووزان وتطوان والشاون والناظور وبركان وصفرو وبولمان وتازة والحاجب وإفران، وصولاً إلى سيدي بنور وآسفي واليوسفية والحوز وإنزكان آيت ملول والعيون ووادي الذهب.
وستصل المنحة إلى 15 في المائة بالنسبة للاستثمار المنجز في 24 إقليماً وعمالة، من بينها الحسيمة وتاوريرت والدريوش وجرادة وجرسيف ووجدة أنكاد وفكيك ومولاي يعقوب وتاونات والرشيدية وميدلت وتنغير وزاكورة وطاطا وبوجدور وطرفاية والسمارة وأوسرد.
أما المنحة القطاعية فيمكن أن تصل قيمتها إلى 20 في المائة لمشاريع الاستثمار المنجزة في قطاعات الصناعة الفلاحية الغذائية أو الصناعة الدوائية أو صناعة المستلزمات الطبية، وحوالي 40 في المائة بالنسبة لمشاريع الاستثمار في الأنشطة الصناعية الأخرى.
كما نصت القرارات الحكومية على ضرورة توفر مشاريع الاستثمار سالفة الذكر على معايير أبرزُها “استعمال مياه غير تقليدية، مثل المُعاد تدويرها، واستهلاك الطاقات المتجددة، واعتماد أنظمة للنجاعة الطاقية، وإرساء نظام لمعالجة النفايات، وكذا وضع برامج اجتماعية ملزمة من حيث المسؤولية الاجتماعية”.
مشاريع “ممنوحة”
قامت وزارة الاستثمار بتحديد مهن وأنشطة يمكن أن تكون موضوع “أفضلية” للاستفادة من منحة في إطار النظام الخاص لمشاريع الاستثمار ذات الطابع الإستراتيجي، محددة إياها في التقنيات الرقمية والقطاع الرقمي، بما يشمل التكنولوجيا الحيوية والأمن السيبراني و’البلوكشين’ والحوسبة السحابية ومراكز البيانات والأتْمَتة عن بعد والذكاء الاصطناعي، والمعطيات الضخمة وألعاب الفيديو و”تكنولوجيا النّانو”.
ولم تُغفل مراسيم ميثاق الاستثمار الصناعة الدوائية، معتبراً “تحويل القنب الهندي وتصنيعه لأغراض طبية وصيدلانية وصناعية” ضمن الاستثمار الإستراتيجي. أما في الطاقة المتجددة فخُصّص الاستثمار في تجهيزات إنتاج الطاقة وتخزينها. كما جرى تعيين أنشطة بناء السفن وصيانتها، إلى جانب التنقل المستدام والتنقل بالطاقة الكهربائية والتنقل بالسكك الحديدية وعبر البحر، ضمن الخانة ذاتها.
“العدالة المجالية”
ميلود سطوطي، خبير اقتصادي متخصص في قضايا الاستثمار بالمغرب، ثمّن، بداية، ما وَرَد في القرارات الحكومية الثلاثة الهادفة إلى “إرساء أنظمة دعم سيكون لها الأثر الإيجابي على تشجيع الاستثمار الخاص”، بحسبه، غيْر أنه أبدى تحفُّظه الوحيد على عدم تشجيع ودعم المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الراغبين في الاستثمار في مناطق صناعية تقع على المحور بين طنجة والدار البيضاء، وزاد: “من حقه أن يُدعَم”.
وبهذا الخصوص، أكد سطوطي، أن “المراسيم حاولت فعلاً تدارك مشكل العدالة المجالية والترابية في توزيع فرص الاستثمار أو جعل الأقاليم والعمالات النائية مجالات جذب”، مضيفا في نبرة استدراك: “كان في الإمكان ومِن الأجدَر ألا تُستثنى أي جهة أو إقليم؛ بما فيها طنجة أو الدار البيضاء أو القنيطرة مثلا، على أن تكون التفرقة والتفاوت الممكن بالنسبة المئوية فقط في منحة الدعم، وعدم كونها منعدمة في مناطق التصنيع”.
ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أن “عدم التفرقة بين المجالات الترابية على اختلاف إمكانياتها يجعل الاستثمار محركا سوسيو-اقتصادياً في المجالات الترابية”، منوهاً بإقرار منحتيْن ترابية وقطاعية باعتبارهما “حافزا إيجابياً”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “المطلوب الآن هو الحفاظ على دينامية الاستثمار التي سيفرزها الميثاق الجديد والعمل على توسعة المشاريع”، معتبرا أن “المجالات الإستراتيجية التي حددتها المراسيم واسعة جداً، والمستثمر، سواء الوطني أو الأجنبي، يمكنه أن يجد ذاته في أي ميدان يختار”.
يشار إلى أن الميثاق الجديد وضع من بين أبرز أهدافه تحقيق إحداث مناصب شغل قارة، وتقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في مجال جذب الاستثمارات، وتوجيه الاستثمار نحو قطاعات الأنشطة ذات الأولوية ومهن المستقبل