صباحالشرق / نورالدين ميموني
تقع مدينة دبدو (ضواحي إقليم تاوريرت) ، واقعها اليوم لا يشبه ماضيها، فالمدينة كانت غنية بتاريخها الذي امتد لقرون خلت كما أن لهذه البلدة قصة جديرة بأن تروى. في تفاصيل الأزقة العتيقة، ذكريات تقاوم النسيان تعبق الأمكنة الممتدة على مدى البصر بأريج التاريخية لا شيء يفلت في هذه الربوع من مشاعر الألفة التي تجتاح الزائر والعابر والمستكشف.
وعاشت هذه المدينة أزهى فتراتها أيام حكم الدولة المرينية، وفي عهد السعديين استعملت لصد أي هجوم تركي محتمل توجد بالمدينة العديد من المآثر التاريخية من بينها القصبة المرينية، عين سبيليا نسبة إلى مدينة إشبيلية الأندلسية، إضافة إلى الملاح المتواجد وسط المدينة والذي يتميز بعدم وجود أسوار، وهو ما يعكس التعايش الذي عرفته دبدو بين المسلمين واليهود القادمين من الأندلس بعد سقوط غرناطة.
في مدخل المدينة لا شيء يختلف عن مشارف المدن الصغيرة لكن جولة قصيرة تظهر مخبوء التراث وما انطوت عليه الذاكرة تحث الأقدام خطاها على الزقاق العتيق وتنسرب بين الممرات الضيقة حيث اصطفت أبواب المنازل المسقوفة بالأخشاب. ثم تمضي صاعدة نحو نبع الماء الأشهر في هذه المدينة “عين سبيلية”، قريبا من الملاح حيث عاش اليهود إلى جانب المسلمين – على مدى قرون – في أجواء يطبعها الاحترام والتقاسم والعيش المشترك.
لم تأكل القرون ذلك البهاء وحسن الضيافة والسحر الذي لا زال يميز هذه الروضة الغناء، وإن كان إسم دبدو الأمازيغي يشير إلى شكلها الذي يشبه القمع..((بكسر الميم))..فهي قد فتحت أبوابها أمام كل العابرين والمطرودين والمتسولين الذين لا يملكون أرضا ولا وطنا، فبعد أن طرد ت إيزابيلا اليهود من الأندلس قصدوا هذه المدينة بحكم موقعها الريادي في المملكة…ففتنوا بها و أطلقوا عدة مسميات على بعض الأمكنة ليتدكروا حضارتهم هناك ..مثل اسبيلية نسبة إلى إشبيلية …فكانت بحق نموذجا مغربيا راقيا لحوار الحضارات وتجسيدا للطابع الإجتماعي للإسلام الذي تعايشت داخل نسيجه مختلف الديانات والأطياف….فلا غرابة إدن أن نرى الألفة قائمة بين زوارها الأوفياء وبين المدينة التي شدهم إليها سحر لا يقاوم …ودهشة من الطبيعة العدراء المفترسة للأعين…فمن شرب مياه عين اسبيلية العدبة سيحيا دائما على العودة لسحر الأرض المعطاء…..
جدير بالذكر أن مدينة دبدو عاشت تاريخا طويلا زاخرا بالأمجاد و البطولات غني بتجارب إنسانية متعددة أطرتها مشارب ثقافية متعددة ، فمن وجود أمازيغي ما زالت بعض آثاره موجودة على مستوى بعض التسميات و التقاليد المحلية ، تم إمارة من أمارات بنو مرين ، شكلت دبدو عبر التاريخ منطقة إستراتيجية تسبب الاستيلاء عليها في نشوب معارك تاريخية و لعل قصبة بنو مرين تعتبر شاهدا حيا على الماضي التليد الذي عرفته المدينة إلى جانب الخندق المحيط بها ( تاحفير) و الكهوف التي تؤثث كل مجالها و المجاورة لها ككهف « الماء » و كهف » السبع » دون نسيان دورها الاقتصادي على مستوى الربط التجاري بين مدينتي فاس و تلمسان .
كما عرفت المدينة استقرارا لساكنة يهودية معتبرة ، أثر بدوره في بعض أنماط العيش و اللغة بحكم الامتداد الزمني الذي استمر فيه و الامتداد البشري و الذي تقول بعض الدراسات أن تعداده بلغ في بعض الحقب التاريخية أكثر من المسلمين و عدد أماكن العبادات ( البيع ) تجاوز عدد المساجد بالمدينة ، و قد عرفت مدينة دبدو عبر التاريخ نموذجا حضاريا راقيا للتعايش و التسامح بين الديانتين اليهودية و الإسلامية
يقول مؤرخون إن هذه القصبة بنيت في الفترة المرينية في غضون القرن الثالث عشر وتؤكد الأستاذة الباحثة بجامعة غرونوبل بفرنسا كلير مارينور أن دبدو التي كانت تقع على طريق القوافل التجارية وأشرت على حضور تاريخي وازن جديرة بأن تكون “جاذبة لكل الذين يهتمون بالتاريخ والحضارات والحوار بين الثقافات”.
وتؤكد دراسات تاريخية أن غالبية الساكنة بدبدو كانت يهودية إلى حدود أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وتفيد محافظة متحف التراث الثقافي اليهودي المغربي زهور رحيحل أن أوائل اليهود الذين قدموا إلى دبدو هم عائلة الكوهن الذين كانوا في إشبيلية إبان سقوط الأندلس.