صباح الشرق
في ساعات الليل القاتمة من يوم الأربعاء 25 يونيو 2025، عاش المواطن محمد الجمالي وعائلته فصول مأساة لا يصدقها عقل، حين أُحضر المرحوم محمد الجمالي إلى قسم المستعجلات بمصحة الضمان الاجتماعي بوجدة على الساعة الواحدة صباحًا، وهو يصارع أزمة قلبية حادة بسبب انسداد شرايين القلب، في سباق محموم مع الزمن لإنقاذ حياته.
كان الطبيب المداوم في قسم المستعجلات واضحًا مع عائلة المرحوم، حين أكد لهم أن «الحالة تستدعي تدخلًا عاجلًا وفوريًا، وإلا ستكون العواقب وخيمة».
وبينما كانت العائلة تخوض سباقاً مع الزمن لإنقاذ حياة فقيدها، اصطدمت بعائق صادم زاد من معاناتها؛ إذ توجهت إلى مصحة خاصة معروفة بمدينة وجدة، لتُفاجأ بمطالبتها بأداء مبلغ يقارب 7 ملايين سنتيم كشرط لاستقبال المريض.
غير أن الصدمة خفّت حدّتها حين أُبلغت العائلة لاحقاً بأن التكلفة ستتقلص إلى نحو 15 ألف درهم، بالنظر إلى انخراط الراحل قيد حياته في الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS).
وإمعانًا في التعقيد، طالبت إدارة المصحة العائلة بتقديم شيك، وهو ما استجاب له شقيق الضحية، عبد العزيز الجمالي، على أمل تعويضه نقدًا مع إشراقة الصباح.
تم إدخال الفقيد إلى قسم الإنعاش، وعلى الساعة الثانية صباحًا طلبت الإدارة حضور الطبيبة المتخصصة في أمراض وجراحة القلب والشرايين. غير أن الصدمة كانت أشد وقعًا: الطبيبة رفضت المجيء في حينه، متعللة بأنها لن تلتحق إلا في الصباح بين السابعة والثامنة.
وبين شد الأعصاب وانتظار المستحيل، قضت العائلة بقية الليل في قلق مرير، إلى أن نزل عليهم الخبر كالصاعقة مع السابعة صباحًا: وفاة محمد الجمالي، بعدما خذلته أيادي من كان يفترض أن يكونوا ملائكة الرحمة.
ولأن المأساة لم تكن لتنتهي هنا، فقد كشف شقيق المرحوم، عزيز الجمالي، عن محاولاته اليائسة طيلة فجر ذلك اليوم، متنقلًا بين أربع مصحات أخرى في وجدة بحثًا عن أمل لإنقاذ حياة شقيقه، لكن الجواب كان صادمًا ومتواطئًا: العمليات لن تُجرى إلا في الصباح.
ويبقى السؤال الذي يصرخ في وجه كل مسؤول:
ما جدوى أقسام المستعجلات؟ وما قيمة المصحات والمستشفيات إن كانت تُغلق قلوبها وأبوابها أمام الحالات الطارئة في الليل؟ أين الأطباء المداومون؟ أين ضمير المهنة؟
إن حالات انسداد شرايين القلب تُعد من أكبر الطوارئ الطبية، وتتطلب تدخلًا جراحيًا عاجلًا خلال أقل من 6 ساعات لإنقاذ الحياة. لكن الذي حدث هو أن الأولوية في المصحة كانت لضمان التسبيقات والشيكات، بينما كانت روح المريض تُسلم إلى بارئها.
والأنكى أن الراحل كان، وعائلته، يستعدون في نفس اليوم لتنظيم حفل مناقشة بحث تخرج ابنته من المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بوجدة… لكن فرحة التخرج تحولت إلى مأتم، واحتفال النجاح انقلب إلى مأساة ستظل محفورة في ذاكرة العائلة وضمير المدينة.
اليوم، يبقى الرأي العام متسائلًا ومصدومًا:
هل تستحق هذه الطبيبة شرف الانتماء إلى الجسم الصحي بعد هذا السلوك؟
ما مسؤولية إدارة المصحة ومالكيها الذين وضعوا المال قبل أرواح الناس؟
أين وزارة الصحة من مثل هذه الفواجع؟ وأين لجان التفتيش والمحاسبة؟
المرحوم محمد الجمالي، الذي أسلم الروح في تلك الليلة الحزينة، كان قيد حياته أستاذًا سابقًا لمادة التربية البدنية والرياضة بمؤسسة ابن باجة بوجدة، ومناضلًا معروفًا في صفوف حزب الاستقلال بمدينة وجدة، وقد رحل عن عمر يناهز 72 سنة، تاركًا خلفه حزنًا عميقًا في نفوس أسرته وكل معارفه.
إنها مأساة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ما لم يُفتح تحقيق عاجل وشامل، وما لم يُعاد النظر في طريقة اشتغال المصحات الخاصة وأقسام المستعجلات، حماية لأرواح المواطنين وكرامة المهنة.