رئيس التحرير : محمد بومعزة
mohammed.boumaaza1@gmail.com
يروى قديما أن عبد الرحمان المجذوب, كان يتنقل من مكان إلى مكان , يجوب جميع الأماكن, ليس له مأوى يستقر به على الدوام , صوفيا زاهدا في الدنيا, ساح في البلاد وكان يجري على لسانه كلام موزون وملحن يأتي على نسق أهل الشعر وأوزانهم الشعرية , وكانت قدماه لاتطأ أرضا ولا مدينة إلا وترك فيها قولة شهيرة تجسد واقع سكانها , وهو الذي عرف بإتقانه للحكم والأقوال التي ما زال يتوارثها جيل بعد جيل , وكم اتخذ كلامه مائدة مستديرة بين الأجداد والأحفاد, ودرسا يلقنه الأب لأبنائه.
أتذكر عندما كنت طفلا صغيرا , بمجرد أن يخيم الظلام , ويحل الليل إلا وأخذت مكاني بجوار جدي ألتمس منه أن يسمعني شيئا مما يحفظه عن المجذوب , فيستجيب جدي على الفور ويبدأ في تلاوة ما استقر في عقله الذي تقادم بفعل مرور السنين ,إلا أن كلام المجذوب لم ينساه أبدا , وكنت أستشف حبا جارفا واعجابا يضمر أشياء تنم عن تعلق أجدادنا بهذه الشخصية.
ــ الهَمْ يَسْتَاهََل ْالغَمْ والسَتْرَة لِيهْ مْليحَة
ردْ الجَلْدَة على الجَرحْ تَبْرَا وَتْوَلِي صْحيحَة
ــ الصَمْت حَكْمَة ومنه تَتْفَرَقْ الحْكَايَم
لَوْ مَا نْطَقْ وَلْد اليَمَامَة مَا يْجِيهْ وَلْد الحْنَشْ هَايَمْ
كلها حكم ما زالت تتردد على مسامعي , رغم أنني سمعتها منذ سنين خلت . جلست مع نفسي وأنا أتأمل حال مدينتي , التي تعرف لدى الخاص والعام , بخيراتها ومناظرها الطبيعية وثروتها التي تسحر العيون قبل العقول , وكرم سكانها وأنفتهم ….
وبدأت أفكر مليا , وأرتب المعطيات , لأجد جوابا شافيا عن كلام عبد الرحمان المجذوب الذي كنا نسمع على أنه زار مدينة بركان , ولما أطلق العنان لمقلتيه فساحت في جمال طبيعتها , ومعاملة سكانها , قال كلامه فيها :”مَزينَتَْها بْلاد لُو كَانْ مَا فيهَاشْ الحقد والحسد”.
فيما تضاربت الآراء عن صحة هذا الكلام ,بدليل أن عبد الرحمان المجذوب وصل به المطاف إلى مدينة كرسيف ومنها رجع إلى حال سبيله ويستدلون في ذلك بقولته :”بْلاد لَحْفَة والحَلْفَة حْلَفْ المجذوب مَا يْزيدْ خَلْفَة” .
قارنت …. وقارنت ….ولم أكن لأقتنع بهذا الكلام حتى استحضرت ردود الأفعال التي صاحبت إقدامنا على إصدار العدد الأول من جريدة صباح الشرق , الجريدة الشبابية والتي أعتقد البعض على أنها تعنى بشؤون الشباب وموجهة لهذه الفئة دون غيرها , لكن في الحقيقة أن مدلول جريدة الشباب والتي وضعت في واجهة الجريدة , كان يقصد بها أن الطاقم الذي يسهر عليها مكون من زمرة من شباب طموح , راهن عليهم مجموعة من القراء , على أن هذا المولود الإعلامي وليس مولودهم الإعلامي , وقد تعمدت قول الأول بدل الثاني , لأن هذا المنبر هو ملك لكم ولنا, فنجاحنا رهين بكم …. سيكون له شأن كبير في الساحة الإعلامية بالجهة , رغم الكم الهائل الذي يزخر به عالم السلطة الرابعة من صحافيين مجربين بطاقات نشهد على أنها خبرت الشيء الكثير في هذا المجال .
كلمات الإشادة تقاطرت علينا , وكثيرون أغدقوا بعبارات أثلجت صدورنا , فلا أجد لمفردات الشكر طريقا , ولا لكلمات الامتنان سبيلا , لكل الذين شجعونا بعد بزوغ العدد الأول من الجريدة , ولمن اتصلوا بنا وكانوا كثر , وهنا أتذكر مكالمة تلقيتها من موظف , كان كلامه مؤثرا في نفسي , عندما حيانا على هذه البادرة , وعلى هذا العدد الذي رآه مميزا وبلمسة احترافية , والذي لم يكن متوقعا ,ـ حسب رأيه الشخصي الذي يحترم ـ , كما شدد على ضرورة السير على هذا النهج , وكان يؤكد عليها مع اقتراب نهاية المكالمة .
بمجرد أن قطع اتصاله بي , استغربت لجملته الأخيرة , والتي كنا نسمعها من أناس كثر “خَاصْكُمْ تَمْشيوا على هَاذْ الطَريقة إلى بْغيتُوا تْنَجْحُوا ”
” زَعْمَا عْلاشْ ” ؟
هذه الأصداء خلفت صدى عميقا في نفس كل فرد من أسرة جريدتنا , وأعطتنا جرعات إضافية لمواصة المسير رغم الضربات الموجعة التي كنا نتلقاها من بعض الأشخاص سامحهم الله!
أقول هذا الكلام , لأن أناسا يعدون على رؤوس الأصابع , حاربونا ولم يريدوا لهذه الجريدة أن تكون اليوم بينكم , وحاولوا وما يزالون بشتى الطرق , أن يشوشوا علينا , لأن الغيرة والحسد قد أعميا أبصارهم وبصيرتهم .
أجد نفسي محتارا , وأتساءل ولم أجد جوابا مقنعا لأسئلة أدخلتنا نحن كطاقم لهذه الجريدة في دوامة من الذهول .
لماذا يعمد أولئك إلى الوقوف حجرة عثر في طريق شباب من حقه أن يأخذ المشعل في الساحة الإعلامية ؟ ولماذا يحارب الكبار الصغار ؟
لاأعرف ! هل أخطأنا عندما فكرنا في إنشاء جريدة شبابية ؟ أليس من حق الشباب أن يبرز إبداعاته ومؤهلاته ؟ ألسنا أهل لقيادة هذا المولود ؟ أليس من حقنا أن ندافع عن الناس وعن القضايا التي تشغل بالهم ؟….
أحسسنا في لحظة من اللحظات ” بالحكرة ” والظلم , لأننا لم نكن نعتقد أن الطريق ستكون وعرة , تمشي فيهرول آخرون ليسبقونك ويفترشون لك الأشواك , لتعطب وتمرض , وهم يراقبونك من بعيد , ويضحكون ويفتخرون بأنهم نجحوا في نصب مكيدة أوقفتك عن بلوغ أهدافك لتعود من حيث أتيت .
يقول الدكتور عبد الكلام :”سهل جدا أن نهزم إنسان ,لكن من الصعب جدا أن نفوز بإنسان.”
إن اقتناعنا بما نفعله , يجعلنا ندير بظهورنا لكل من نقف غصة في عنوقهم ,ولكل من أرادوا ذهابنا اليوم قبل الأمس ,ومتشبثون ببقائنا .وهنا أتلوا عليكم قصتين عجيبتين تقول الأولى :
سقطت ضفدعتين في وعاء عميق به لبن , فحاولتا الاثنتين الخروج من هذا الوعاء , لكن الأمر كان شاقا ,فاستسلمت إحداهما للغرق , فظلت تدور وتدور في الوعاء حتى تحول اللبن إلى كريمة , فاستطاعت أن تصعد الضفدعة الأخرى على تلك الكريمة وتخرج من الوعاء .
وتقول الثانية :أنه في ليلة زواج العريس , وبينما هو جالس بجانب العروس في المنصة , همست العروس في أذنه ,بإنزال والدته من المنصة لأنها لاتعجبها .
أخذ العريس “الميكرفون ” وقال :” من يشتري أمي ؟”
اندهش الحاضرون من تصرفه, وردها ثلاث مرات ,وسط صمت واستغراب شديدين من الحضورفي الحفل .
رمى الخاتم , وقال : “أنا أشتري أمي ”
والتفت إلى عروسه معلنا طلاقه منها , وأضاف :” أنا أشتري أمي” وأخدها وغادر القاعة .
فمن يشتري هذه الجريدة ؟
نحن وقراؤها الأعزاء ,الذين شجعوا أبناءهم ,لأننا نعتبر أنفسنا جزء منكم .
بعد كل هذا , تيقنت من كلام المجذوب , وعرفت لماذا قال :”مَزينَتْهاَ بْلاد لُو كَان مَافيهَاشْ الحقد والحسد”
وخير ماأختم به , ما قاله الدكتور إبراهيم الفقي , الكاتب والمحاضر العالمي ورائد التنمية البشرية : ” علينا الإبتكار والإختلاف ولكن الإختلاف للتميز , وذلك حتى تتميز عن غيرك من الآخرين , وعليك أن تعلم أنه لاوجود لكلمة مستحيل فكل شيء ممكن ” .
karimمنذ 11 سنة
tbark alah 3lik