رواية : كاينة ظروف (تتمة)

daoudi
الدولية
30 أكتوبر 2013

derof

www.sabahachark.com

(تتمة) فضربه على كتفيه ثم ظهره بعد ما أحكمه بقبضة يديه القاسيتين، فوجهه أمامه, إلا أن الطفل ظل منحني الرأس وعيناه في أخمص قدميه، فوجه له خطابا قويا شديد اللهجة مؤكدا على ضرورة تنفيذ وصاياه.
     الأب: ما نعاودش نسمع هاذ الكلام مرة أخرى  ما دمت حيا أو ميتا ، دير لي عليك  أوخلي الباقي علي أنا، أنت غير قرى  بغينا أنشفوك الفوق أو تشغل منصب عالي و تملك سيارة خاصة بك أو دجي  لزيارتنا كل آخرأسبوع، و يلا  مت قبل أمك راها  أمانة في عنقك ولا تغضبوها أو تسمعوها أخبار مفاجئة غير سارة راك عارف أن قلبها ضعيف أوخاصها عملية  خطيرة في السنين الجاية أو نوصيك على أختك الصغيرة خاص ما ينقصها حتى حاجة في حياتها ،أو واعدني  أنك تكلع هاذ الفكرة من راسك  أو ما تقطعش  دراستك حتى تحقق أحلامك، باراكا علينا غير ما وقع لخوك  الكبير اللي تحترق داخل سيارة اللي يهرب بها المازوط من الحدود .لهذا خاصك توعدني، تفقنا؟ واش تفقنا.

فامتزجت العبارات الأخيرة مع صوت المنادي عن أبيه لإصلاح أحد الآلات الحجرية الضخمة، فبعد قطع الوعد و التعهد أمام  الله سبحانه و أمام الأب، ذهب الابن للاستكمال سلسلة يومياته التي لم يتبقى منها سوى الرعي في الجبال, فما أن وصل إلى الكوخ حتى وجد الأم و أخيه قد أخذا القطيع لرعيه حينها التحق بهما بعد غسله وترتيبه للأواني التي أحضرها عن أ كل أبيه.
جلست الأم تحت ظل الشجرة التي أسدلت فروعها الطويلة ترعى قطيعها و ابنها الأصغر أمامها يلهو بعصا و حجارة، ففاجأها من الخلف ليغمض عينيها مخفيا صوته ومتسائلا عن اسمه، فجلس بقربها مؤكدا لها عزمه على استكمال المهمة، بعد أن قبل يديها  ورديت خدي أخته التي لم تنزل بعد للمس أصل آدم، فكان سريرها ظهر أمها، قال شاكيا لأمه عسى أن يجد من يفهمه.

     توفيق:  تعرفي فالصباح أمي فالمدرسة هديك المونيك، خلتني ضحكة بين صحابي كاملين حيث عاودات ليهم داك النهار اللي شدونا فيه  البوليس وكالت ليهم أنك جيت أبكيتي و بستي يد باباها  باش أيخرجنا من الحبس، لوكان غير خليتنا تم، أو مابستيش ليه يديه آمي.

    الأم(رقية): ألا آولدي عمرك ما تسمع لهاذ الهضرة هاديك راه ما تسواش أو زايدون هاديك بنت مامربياش و سمع أولدي إلى دار فيك العيب  شي واحد ردو ليه عكس ، كالو ناس زمان دير الخير و نساه، الله تيعطي لعبادو كل الوقت ولاكين راه ماتينساش عافاك أبني ماديرش على هضرتهم  أنت ديما تفكر كلام باك (تفكر ديما علاش أنت  فالمدرسة أنت تما باش تقرى وتتوظف)، أونكوليك هضرة الناس ماتتلصقش فالظهر و لكين يتحاسب عليها غد كدام الله أ وزايدون حنا ناس مساكين ماعدناش أو مانرداوش بالذل، لو كان عدنا شي واحد تاحنا كون كاع ما مشينا نابكيو و دمعة بوك سابق طليبي، عند هاداك بو كرش باش يطلقكم آو لدي،وسمع عندك تضارب معها أولا مع غيرها راه ماعدنا غيركوم باراك علينا غير ليفقدنها، ياله  أولدي  أنا مشيت  رد بالك عنداك تسرق ليك شي بهيمة أولى تتلف  أنا غنكمل لخدمة  لي بقات فالدار ياله الله يحفظكم أو يغطيكم بالرضى أمين.

وبعد مدة عن كل هذا كان لابد أن يأتي القدر بقدره حينها الابن الكبر كان يرعي قطيعه فلمحت عيناه الهادئتين ظلا يعدو نحوه بسرعة وينادي عليه، ظن  أنه بشير فسارع باتجاهه، فما كان حصاد سرعته، إلا أن اصطدم لحظة  سماعه لفقدان مركبه الربان و المجداف الأيمن.بعد أن دهسته آلة تكسير الحجارة لما انهارت به حافة الطاحونة، فطلب أن لا يصل الخبر لوالدته بعد أن ترك رعيه في متناول النذير فركض مسرعا نحو مكان الحادثة  و دموعه في الهواء  تتناثر  خلفه، فكانت الفاجعة الكبرى أن  وجد الشرطة قد طوقت المكان، و شرعت في جمع فتات لحم أبيه من وسط الحصى المفروم جيدا و بقوة،  فحاول الدخول بصمة و بداخله قنبلة الصراخ  واجتيازه للشريط الأحمر، لكن قوته الضعيفة حالت دون ذلك، والتي تزامنت مع وجود رجال الأمن الذين منعوه من الدخول مما زاد حقده عليهم .فما عساه أن يفعل مرة أخرى سوى الصراخ و ندائه  لأبيه الذي بقيت دماؤه على الحصى كأنها طلاء. امتزج  صوته المبحوح  بصراخ أقوى  من ذلك فالتفت لمصدره، إذا بأمه علمت بالخبر، فاتجه نحوها مسرعا محاولا صدها كي لا ترى آباه على ما هو عليه , لكن لم يحل دون ذلك .فتسمرت عينا الأم في الحصى للبحث عن وجه زوجها، و هي تبحث، سألها شرطي عن من تكون، و الابن الأكبر يجرها من خلفها بقوة، و يحاول إخفاء حزنه العميق و إخفاء الأمر عن عيني أخيه.فسقطت الأم على الأرض بكل ثقلها مغما عليها.

أمطرت السماء بغيثها الذي لم يتوقف من فجر اليوم الذي ما كان ليمر على الأسرة بلا دمعة حزن،  ولا سيما و أن الكوخ لا خطاء به ليحجب تسرب ماء المطر، فكان وقع ذلك على الأطفال فوق وسعهم،  و لكن رفعت الأقلام و جفت الصحف، و في ركن صغير آوى  الأطفال و الأخت الصغرى و بيديها لعبة صغيرة ممزقة القماش بين أخويها الاثنين و هما يودعان الناس اللذين آزروهم في محنتهم و محاولة منهم ملأ الفراغ الذي  وجد طريقه في قلوب الأطفال.

مرت أيام وسنين عن السحابة التي أغرقت أفراد الأسرة الصغيرة في بحر حزين فتركته كقارب ورقي بلا شراع و لا قوارب نجاة فتتلاطم بداخله الأمواج لتلقي بحطامه كل مكان. إنها مرارة الحياة داخل جو حزين وقاس يفتقد لأبسط المتطلبات. ظل الأخ الأكبر يثابر من أجل سد متطلبات الأسرة الصغيرة و تلبية حاجيات الاخوة، فحكم القدر بضرورة التوفيق بين الدراسة و العمل وهما أمران يصعب المزج بينهما كالماء و الزيت. وما كان يطيف لطين بلت هو حلم أبيه الذي توفي، و لا كانت وفاته عادية كالآخرين في قبرهم، فاستسلم لأمواج البحر من عمل في الأسواق إلى عمل في المقاهي و مسح الأحذية في الأزقة و الشوارع. و الجدير بالذكر هو أن التذمر لم يجد طريقا لقلبه الضعيف، لهذا بدأ يمزج بخيط عنكبوتي  رقيق جدا بين التمدرس و العمل، لتدفعه دواليب الزمان و الأيام إلى أن أصبح طالبا جامعيا . ظل على حاله يسرق بعضا من وقت  الفصول الجامعية ليعمل كنادل في أحد المقاهي الجيدة و الرفيعة المستوى و التي يرتادها  أصحاب البطون الكبيرة و السيارات الفخمة، بأسرهم الغنية ،مقابل مبلغ زهيد جدا، و من حسن حظه ذات يوم من عطل الأسبوع وفي عشية هادئة يملؤها السرور و العمل الجيد، وفي الهواء الطلق تحت شجرة تلقي  بظلالها لمن يدفع أكثر، كان مأوى أحد رجال الأعمال المشهورين بالمنطقة و ذو سلطة كبيرة،  فجلس و أسرته الصغيرة المتكونة من أم و طفلتين مذللتين. و بعد جلستهم أرسل صاحب المقهى الشاب  بدعوى أنه  الشخص الملائم لخدمة مثل أولائك الأشخاص نظرا لما يتوفر عليه من آداب في الخطاب، لكن الأمر لم يمر كما توقع.

    صاحب المقهى: أجي لهنا. غير حط داكشي من يديك و ياجي .سمع آش غانكوليك سير شوف داك السيد  ليطلبها عطيها ليه فالحين يله سير .أه كون مأدب را دكشي علاش ختاريتك أنت يله فيسع

    توفيق:هي اللولة آسيدي ميكون غير خاترك لهلة يحشمنا.
كانت التحية التي ألقاها بعد أن تذوق مرارتها و التي أعادت له ذكريات حزينة ولكن تجرعها كجرعة عصير الحنظل الممزوج بالخمر المخمر. فأحنى رأسه لمسح المائدة و خدمتهم.  فبدأت الفتاة الكبرى تتفحصه بنظراتها الساخرة و تأمره في كل مرة ينتهي فيها من مسح المائدة إلا و تأمره بإعادة المسح مجددا إلى أن ختمتها بعبارتها الابتزازية السالبة لكرامة الشخص و فقدانه للسيطرة على أعصابه قائلة:

     عفاف: مازال ملقيتش بلاستك،
     توفيق: قدر الله أو لمكتاب، لالة آش حاب الخاتر؟.
     الرايس: قهوة كاحلة و عصير ليمون، أو شوف البنات آش يشربو .
     رشا: عصير كيما ماما
     توفيق: على عينيا و راسي المليك البيضة.{فحول نظره نحو الأخت الكبرى هز رأسه بتقديم طلبها}
     عفاف: منرداش بحالك يغدم آنسة بحالي أو بنت سيد محترم مثل بابا
فضحك الأب مطالبا ابنته بأنه إنسان متواضع فقط و أن يحظر لها عصيرا كوالدتها.

انصرف النادل عن الأسرة الصغيرة فحاولت الفتاة الصغيرة الدفاع عنه و تبرير موقفه  بضرورة التعامل معه بتساو، مبررة قولها بأن معلمتها طلبت التعامل مع من هم أصغر منهم درجة في المستوى الطبقي باحترام و أدب، لأن الله لا يفرق بيننا إلا بالتقوى ، فصرخت في وجهها رافضة أن تتساوى مع  سارق و كذاب و أنه ينجح دوما متفوقا عليها بالغش، أو مع غيره  مهما كان. فقاطع الحديث النادل لما أحظر طلب العائلة فوضع لكل طلبه، فأضاف هدية صغيرة  للطفلة، فانصرف مسرعا لخدمة زبون آخر دون أن يذكر  لمن الهدية، فعارضت الأخت الكبيرة إلا أن بكاء الصغيرة كان ليؤيده أبويها، فكانت الهدية دمية من القطن الثمين و بوسطها قلب أحمر موضوع عليه ورقة فتحتها الفتاة الصغيرة وتلتها بجهر:

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.