مشردون يفترشون الأرض ويلتحفون سماء فصل الشتاء وبرده القارس بإقليم بركان

daoudi
2018-01-02T21:01:35+00:00
الجهوية
25 ديسمبر 2017

inCollage 20171214 182522581 480x480 2 - www.sabahachark.com

Www.sabahachark.com

لا يمكن لبعض المشاهد المؤلمة والمأساوية إلا أن تثير انتباه المارة من المواطنين بمدينة بركان، العابرين للشوارع والطرقات والأزقة، وأن تحرك مشاعرهم وأحاسيسهم،
خلال هذا الفصل الممطر والبارد، خاصة حينما تقع نظراتهم على ذلك الطفل الملقى على الرصيف تحت سقيفة مؤسسة، أو ذلك الكهل الملفوف في أوراق من الكارتون، أو تلك العجوز المتوسدة لرزمها المملوءة بكلّ شيء وأي شيء والتي تحملها أينما حلّت وارتحلت.
أناس قسا عليهم الزمن، و تبدل حالهم بعد أن هربوا من الماضي المرّ من ظروف معيشية أملتها الحالة العائلية بسبب قسوة الأب أو الأم أو الزوجة الأب أو زوج الأم أو الجد أو الأعمام أو العمات أو أي شخص آخر، حين كانوا أطفالا صغارا أو بفعل فاعل للمختلين عقليا فقدوا هويتهم فصاروا بدون وجهة و لا هوية و لا ماض، بعد أن تعطل العقل فأصبح عاجزا عن أداء مهامه، معتقدين أن الشارع سيكون رحيما بهم، لكن العكس هو الذي حدث.
اليوم، لم يعد هناك لا أخ و لا أخت و لا أعمام و لا عمات. اليوم أصبح الشارع هو الأخ والأخت و الخال والعم… رجال و نساء اغتال الشارع حياتهم و جعل بعضا من النسوة أمهات رغما عنهن .
كلما حل  فصل الشتاء وبرده القارس …..
تسارعون  انتم أيها السادة  نحو معاطفكم الصوفية  لحماية أجسادكم الباردة الضعيفة . بينما نستمر نحن  مجتمع الشارع عراة ، تواجه فيها جلودنا  القاسية  التي تكيفت مع الزمن قساوة الفصل …تتنقلون انتم عبر سياراتكم المكيفة ، ونتنقل نحن من شارع إلى أخر  تحت  هوامش البنايات ، غير مبالين  بالبرد الذي ألفنا وألفناه …..تسارعون  إلى شققكم  أو قصوركم  المكيفة من باب ألمراب  …بينما  تحتضننا نحن  ردهات  أسفل سلالم العمارات  التي لا تتوفر  على حراس على أبوابها …..تتدثرون بأغلى الأغطية  وأفخمها ….و بشمات من السيليسيون مع عصير  جوارب متسخة  مصحوبة بأكلة سريعة  هي عبارة عن كسرة خبز  محمصة في عوادم سياراتكم ، ومدهونة  بقليل من ملمع الأحذية “الشيراج”  يغيب عنا الإحساس  بمفهومي الدفء والبرد .
أيها السادة ، الشارع لنا ، نحن أسياده  امتلكناه  وعمرناه صيفا ، فكيف سنتركه ربيعا وخريفا وحتى شتاء ……لقد منحنا اسمه بدون إذن منكم …..فصرنا مجتمع الشارع  بأطفالنا ونسائنا  ورجالنا ومهاجرينا….. لن نتنكر له في الشتاء ونتركه وحيدا جامدا ساكنا  من دون انس . ينتظر عودتكم  للحياة من جديد  لتملئوه بالصخب والضجيج وبقاذوراتكم ونفاياتكم و أزبالكم التي تقذفون بها في كل أركانه……..نحن مجتمع الشارع  الذين  يتزايدون  في حركة  موازية  لانتشار  بنائكم العمودي  الذي يحجب عنه حتى أشعة الشمس. و بنائكم الأفقي الذي  يقتطع مع كل تجزئة جديدة ، قطعة أرضية صالحة للزراعة  فينبت فيها غابة إسمنتية  تقضي على  الاخضرار ….نحن مجتمع الشارع الذي لن تقدروا على منحه  ذلك الإحساس بالحرية  مهما بذلتم من جهود صادقة أو حتى مزيفة  لإيهامنا  بأنكم تشعرون بنا وبمعاناتنا ….
نحن مجتمع الشارع  الذين نتقاسم  بيننا القليل  و نستهلك كسرة الخبز  التي نحتاج فقط ،حتى لا نرمي  بنعمة الله  كما تفعلون انتم .
قولوا عنا ما تريدون ، شماكرية ،متسولون ، أصحاب السيليسيون ، الموسخين ….قولوا ما شئتم  فتلك ألسنتكم انتم المسؤولين عنها…. إننا ها هنا قاعدون ،نؤدي دورنا ألذي صنعتموه  انتم لنا  بشراهتكم  ،وبعدم رغبتكم في تقاسم خيرات هذا البلد معنا .
لن نفرط في حريتنا .لنقبل بالحشر في مؤسساتكم التي تريد تقييدنا إلى أسرة حديدية بقياسات محددة  في غرف مكتظة  ، لن نقبل العيش  كآلات مبرمجة بدقة على أوقات  الأكل  والنوم والاستيقاظ …..
نحن مجتمع الشارع  الذي يرحب بكل عابر سبيل  من المواطنين الذين تقطع بهم حبل النجاة ومن المهاجرين الذين حالت سياجات أوروبا فوق أراضينا لتحقيق أحلامهم في العبور إلى الإلديرادو الأوروبي …نحن مجتمع الشارع  الذي نقيس فيه قوة بعضنا ، بميزان الذهب  ، فيضل القائد قائدا  و لا سبيل للتأمر أو التحايل عليه ….
أيها السادة لا تتعاطفوا مع احدنا ، وقد اتخذ أو اتخذت  علبة كرتونية كفراش أو ملاذ أو مسكن ….فانتم من فضل تغيير الكماليات  بمنازلكم  بدل ضخ مقدار من المال في صندوق للتماسك الاجتماعي .انتم من رميتم لنا بذلك غصبا حتى نستعمله نحن …..
أيها السادة  لا تعتقدوا أنكم أسيادا  و نحن عبيدا .فقد صرتم  مع تزايدنا  سجناء  جدران إقاماتكم ، توصدون الأبواب مبكرا بأقفال من حديد ، وتتأكدون أكثر من مرة  قبل النوم  خوفا من فئة منكم  توهمكم بأنهم منا  تثور عليكم و تقلق راحة بالكم .
نحن أيها السادة  نرى أنفسنا  مجتمعا مسالما  حرا ، نساق وإياكم  كل في طريقه نحو المصير المحتوم ، ولكن من دون خوف أو هلع أو رعب  على عكس ما تعيشون ….
أيها السادة  لا تقولوا على أطفالنا ، أطفال الشوارع ولا عن شبابنا ،شباب الشوارع ،ولا عن نسائنا نساء الشوارع …..فالشارع كما تعلمون  لم يتزوج يوما  لينجب أحدا . ولكننا نسمح لكم بالقول عنا إن أردتم وبملء فيكم  مجتمعا في الشارع.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.