صباح الشرق
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، نستحضر نساء رائدات بصمن بعطاءات متميزة في مجالات مختلفة، وجعلن من أسمائهن منارات تُلهم الأجيال… وبين تلك الأسماء، يسطع اسم سارة لهبيل، ابنة التاريخ وحفيدة أول رئيس حكومة في المغرب بعد الاستقلال، السي امبارك البكاي لهبيل.
غير أن اسمها لم يكن مجرد اختيار عابر، بل قصة وفاء امتدت عبر الأجيال، محفورة بحروف العزة والامتنان.
لم يكن ارتباطها بالمجد صدفة، فقد كان لها وهي طفلة شرف لا يُمنح إلا لكبار الشخصيات، إذ اختارها المغفور له الحسن الثاني شخصيًا لتكون صاحبة اليد الصغيرة التي تمتد لحمل مقص قص شريط تدشين شارع البكاي لهبيل ببركان سنة 1968، تكريمًا لمسيرة جدها ورمزًا لعراقة العائلة الكبيرة التي تنتمي إليها. منذ تلك اللحظة، كأن القدر منحها إشعارًا بأن هذا الإرث ليس مجرد ذكرى، بل مسؤولية ستواصل حملها بتميزها وعطائها للمجتمع.
في لحظة ميلادها، كانت الجدة الحاجة طاما، والدة امبارك البكاي، قد تركت وصية غير مكتوبة، لكنها منقوشة في قلوب العائلة: أن يكون اسمها حاضرًا في امتداد الأجيال. فأرغمت عائلة السي محمد لهبيل على منح المولودة الجديدة اسم سارة، ليبقى الارتباط حيًا بين الماضي والحاضر.
ومثلما قُدّر لها أن تحمل إرث الأسماء، حملت سارة إرث الوفاء حين أنجبت طفلتها الأولى. لم يكن هناك أي بحث عن اسم جديد، فقد كان القرار محفورًا في روحها: طاما، إحياءً لذاك النبض الذي بدأ منذ عقود، حيث الجدة التي صنعت المجد، وحيث الامتداد الذي لا ينقطع.
لكن المفارقة الأجمل أن طاما لهبيل صديقي، هذه الطفلة التي حملت اسم الجدة العريقة، لم تكن مجرد امتداد لاسم خالد، بل كانت امتدادًا لإرث من الطموح والتألق. حملت شغف العائلة بالعلم والمعرفة، فنسجت مسيرة أكاديمية لامعة، حيث حصلت على دبلوم الدراسات الجامعية العامة في العلوم السياسية، ثم إجازة في اللوجستيك والنقل، قبل أن تتوج مشوارها بـ ماجستير في إدارة سلاسل التوريد، يليه ماجستير إدارة الأعمال من جامعة لافال في كندا في نفس التخصص. ولم تكتفِ بهذا، بل خاضت تكوينًا في الطب البيطري، لتثبت أن الطموح لا حدود له حين يكون العزم وقود الرحلة.
أما سارة، فقد صنعت اسمها بنفسها، في قاعات العلم ومناصب التعليم، حيث حصلت على دكتوراه في الأدب الفرنسي، وانطلقت تشيد مسيرتها الأكاديمية. بين جدران جامعة شعيب الدكالي أولًا، ثم في المعهد الزراعي والبيطري الحسن الثاني، أين أصبحت رمزًا للتواصل والإلهام، تزرع المهارات الناعمة في عقول طلبتها، كما يزرع الفلاح البذور في أرض خصبة.
لكن أعظم ما في سارة، أنها لم تبقَ حبيسة الكتب وقاعات المحاضرات، بل ظل قلبها يخفق باسم بركان، المدينة التي لم تغادرها يومًا رغم أنها عاشت بعيدًا عنها. كانت سفيرتها غير المعلنة، صوتها في العاصمة، ووجهها المشرق في كل مناسبة.
ولم يكن عشقها لبركان مقتصرًا على الانتماء العائلي، بل امتد ليشمل نهضة بركان لكرة القدم، الفريق الذي سكن قلبها منذ الصغر.
كانت واحدة من القلائل اللواتي ولجن الملاعب في الزمن الجميل، حيث رافقت والدها السي محمد لهبيل، الذي كان ضمن المكتب المسير للفريق ونائب رئيس الاتحاد الرياضي الإسلامي البركاني سنة 1961، خلال فترة رئاسة أحمد بشير.
في السبعينيات، زاد ارتباطها بالفريق عندما كانت تحضر المباريات لتشجيع شقيقها الحارس الدولي منير لهبيل، الذي كان أحد أعمدة نهضة بركان، يحمي شباكه بكل بسالة. منذ ذلك الحين، لم يتراجع حبها للفريق البرتقالي، بل ظل متأججًا، يتجدد مع كل إنجاز يحققه، تتفاعل معه بفرح الانتصارات وحرقة الهزائم، لأن نهضة بركان ليس مجرد نادٍ بالنسبة لها، بل جزء من روحها وامتداد لهويتها.
ولعل اللحظة التي كشف فيها الزمن عن معدنها الأصيل، كانت يوم رحيل عبد القادر لبرازي، الحارس الأسطوري للكرة المغربية. حين وصلها الخبر في المستشفى، لم تستطع حبس دموعها، فبكت بمرارة وكأنها فقدت قطعة من ذاكرتها، من مدينتها، من روحها.
إنها سارة لهبيل، المرأة التي لم تخذل الوعد، ولم تنسَ الأصل، فحملت المجد بأمانة، وخلّدت الاسم بالعطاء، حيث يلتقي التاريخ بالحب، ويلتحم الوفاء بالإنسانية!