إعداد : خالد الغازي
الكثير من الانتقادات وجهت لبرنامج “أوراش”، الذي يشرف عليه وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، من طرف فعاليات برلمانية وسياسية، لأنه لن يحل مشكلة البطالة، ولن يعطي حلولا دائمة ومستمرة لشريحة كبيرة من الشباب الذين لا يتوفرون على دبلومات أو مستوى تعليمي يسمح لهم بالحصول على الشغل سواء في القطاع الخاص أو العام، مما يطرح التساؤل عما بعد هذا البرنامج الاجتماعي، ما هي الآفاق التي تنتظر المستفيدين منه؟ وهل سيوفر تكوينا يسمح لهم بالبحث عن مستقبل آخر؟
في هذا الإطار، قال المحلل الاقتصادي رشيد ساري، أن برنامج “أوراش” يدخل ضمن الأولويات التي حددتها الحكومة برسم قانون المالية لسنة 2022، حيث خصصت لميدان التشغيل ميزانية 3.5 ملايير درهم منها مليارين و250 مليون درهم لبرنامج “أوراش”، والذي يسمح بتشغيل الشباب في مشاريع متعلقة بالبنية التحتية والبستنة ومشاريع تنموية، حتى لو كانوا لا يتوفرون على دبلومات أو مستوى تعليمي، بموجب عقد لا يتعدى 24 شهرا.
وأوضح أن البرنامج يجب أن تتبعه عملية تواصلية لتوضيح أن مسألة الشغل هي فترة مرحلية فقط، يجب أن ترتكز على التكوين ومجموعة من الآليات، ولا يجب التصفيق للبرنامج الحكومي رغم أنه جاء للتخفيض من مستوى البطالة، تفاديا لظهور مشكل آخر مثل الأساتذة المتعاقدين، مشددا على أهمية ولوج المستفيدين لمجموعة من المهن والتكوين، ليستطيعوا القيام بعدة مهام داخل التعاونيات أو الجمعيات أو دور المسنين، حتى يكونوا مؤهلين بعد انتهاء فترة 24 شهرا لدخول عالم الشغل، أما تضميم الجراح ثم التخلي عنهم بعد مدة التشغيل، فيطرح مجموعة من الأسئلة والمخاوف.
كما شدد على ضرورة تنفيذ البرنامج وفق آلية الحكامة والمواكبة الفعلية لهؤلاء المستفيدين، من خلال إخضاعهم لتكوين ذي قيمة إضافية تنفعهم فيما بعد، وانتقاء الأشخاص الذين لديهم الاهتمام والرغبة في تطوير مهاراتهم الذاتية، ثم مراقبة الأموال المخصصة لهذا المشروع مراقبة صارمة ومنح المال لمن يستحق.
المحسوبية وجمعيات المنتخبين
العديد من المشاريع والمبادرات التي يتم الإعلان عنها مثل مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمنح التي تقدمها الجماعات والمجالس المنتخبة، تذهب في كثير من الأحيان للجمعيات المقربة من المنتخبين، وذلك وفق مصالح حزبية، الأمر الذي دفع بالكثير من الفاعلين الجمعويين للتحذير من إعطاء الأولوية لجمعيات أصحاب المصالح الانتخابية على حساب الجمعيات المستقلة.
في هذا السياق، يقول رشيد ساري، أن عملية انتقاء المستفيدين يجب أن تتم وفق مبدأ الشفافية والوضوح والمساواة بعيدا عن الزبونية والمحسوبية، والمصالح الانتخابية السابقة لأوانها، أو أن يتم استغلال البرنامج من قبل بعض المنتخبين أو المنتمين للأحزاب أو أحد البرلمانيين من أجل تلميع صورتهم، داعيا إلى وضع مجموعة من الأسس تمكن الأشخاص في وضعية هشاشة من الاستفادة من البرنامج، سواء كانوا في المجال الحضري أو القروي، وذلك عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد الذي سيمكن من التعرف على الأشخاص الذين يعيشون في وضعية هشاشة والفقر المدقع.
من جهته، أوضح محسن النعيم، رئيس “مؤسسة الوسيط للشباب والديمقراطية”، أن “أوراش” هو مشروع طموح رغم أن الهدف منه هو التنمية وإدماج الشباب، رغم أن الإدماج لن يكون مستداما، لأن نسبة كبيرة من هذا البرنامج تتعلق بالتشغيل بمدة محدودة، لكنه على العموم، يحل إشكالية البطالة ولو بشكل جزئي، مضيفا أن الفعاليات المدنية والجمعوية تنتظر تشكل اللجن الجهوية والإقليمية التي ستكون مسؤولة عن دراسة طلبات الجمعيات والتعاونيات، لانتقاء الجمعيات المستفيدة وفق معايير محددة.
معايير معقدة وضعف التواصل
رغم الترويج الكبير من طرف الحكومة لبرنامج “أوراش” واعتباره مشروعا غير مسبوق لحل إشكالية البطالة في المجتمع، إلا أن المواكبة الإعلامية والإشهارية لهذا المشروع لم تكن بالشكل المطلوب، بالإضافة إلى أن هناك تساؤلات ومخاوف من تمرير هذا البرنامج لفائدة الجمعيات المقربة من الأحزاب، أو الجمعيات التي تستفيد من دعم المجالس المنتخبة.
في هذا الصدد، يؤكد محسن النعيم، أن هناك نقصا كبيرا في مجال التواصل لدى الحكومة للتسويق لهذا المشروع في صفوف الشباب، وتقريبه منهم، عبر وضع لوحات إشهارية وإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الإعلام، خاصة وأنه يستهدف 250 ألف شاب وشابة في سنتي 2022 و2023، حيث يسعى لاستقطاب مليون شخص على مدى خمس سنوات.
واعتبر أن هذا المشروع يتضمن شروطا معقدة أمام الجمعيات الراغبة في الاستفادة، حيث يتطلب معايير صعبة، منها أن تتوفر هذه الجمعيات على دفتر تحملات ومقر وإمكانيات وموظفين يشتغلون لديها، مما يجعل هذا البرنامج يتجه للجمعيات الكبرى بالأخص، بينما الجمعيات المتواجدة في الأحياء والتعاونيات الصغيرة في العالم القروي، ستجد نفسها خارج الاستفادة، مطالبا بالموضوعية وتبسيط المساطر والمعايير حتى تكون الاستفادة عامة بالنسبة لجميع الجمعيات، وليس الاقتصار فقط على الجمعيات التي تستفيد من الدعم العمومي والدعم الخارجي، وفسح المجال أمام الجمعيات الصغرى التي تتوفر على طاقات شبابية متميزة ولديها مؤهلات وقاعدة في مختلف المجالات.
تجربة محدودة
العديد من الفرق البرلمانية اعتبرت أن برنامج “أوراش” يظل مشروعا مقيدا بفترة زمنية محددة، ولا يمكن أن يساهم في حل إشكالية البطالة وفتح سوق الشغل أمام الشباب بصفة دائمة، حيث اعتبر يوسف إيذي، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، أن تنزيل هذا البرنامج في هذه الظرفية العصيبة، أمر مهم، لكنه لا يحمل أي جديد فيما يتعلق بمنظومة التشغيل، وأضاف أنه لا يمكن الحديث عن نجاعة هذا البرنامج في غياب تفاصيل حول آليات تنزيله، متسائلا عن كيفية معالجة إشكالية فرصة عمل مؤقتة لهؤلاء الشباب بعد مضي سنتين؟ وهي فرص شغل كانت وما زالت متاحة لفئات عريضة من المواطنين من خلال فتح العديد من الأوراش الموسمية (البستنة، النظافة، البناء، حقول التوت…)، وأيضا أوراش الإنعاش الوطني التي تعرف مشاريع مختلفة ذات منفعة محلية، والتي تكتسي بطبيعتها الموسمية صفة الديمومة، وهذا ما يعارض مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة.
وأبدى نفس المتحدث خشيته من تنزيل هذا المشروع عبر توزيع المبالغ المالية بشكل ريعي دون شفافية على بعض المحظوظين أو المحسوبين على بعض الجهات دون أخرى، معتبرا أن ذلك سيفقد هذا البرنامج مصداقيته الاجتماعية.
بدوره، اعتبر بوشعيب علوش، عن فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين، أن المدة المخصصة لبرنامج “أوراش”، وخاصة مدة 6 أشهر المتعلقة بالأوراش العامة المؤقتة، الموجهة إلى 80 بالمائة من المستفيدين، لا تختلف في جوهرها عن تجربة الإنعاش الوطني، ولن تجيب عن الخصاص في العمل اللائق، محذرا من استغلال المقاولات والتعاونيات لهذا البرنامج لانتهاك حقوق الطبقة العاملة والمستفيدين، لا سيما وأن دعم الإدماج المستدام المخصص لـ 20 في المائة من المستفيدين، لا يختلف عن تجربة الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل من حيث التشغيل بعقود عمل مؤقتة.
وطالب بإعادة إدماج الأجراء والنقابيين الذين تم تسريحهم بشكل جماعي من قبل عدد من المقاولات، التي لم تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية، وقامت باستبدال أجراء مرسمين لهم أقدمية، بمستخدمين جدد عبر عقود عمل محددة المدة، داعيا الحكومة إلى إعطاء الأولوية لهؤلاء الأجراء الموقوفين، مشيرا إلى أن الاقتصاد الوطني خسر نهاية سنة 2020 حوالي 432 آلاف منصب شغل، مما زاد من معدل البطالة لتصل لـ 11.8 بالمائة خلال سنة 2021.
وأكد علوش على ضرورة مواكبة المستفيدين من التكوينات الأساسية والتنزيل المنصف لهذه الإجراءات، ودعا الحكومة إلى إشراك الحركة النقابية بقيادة الاتحاد المغربي للشغل وضمان تمثيليتها في لجن المواكبة بما في ذلك لجنة القيادة الوطنية واللجن الجهوية، صونا لحقوق العمال.
تناقض مع وعود الأحزاب
قالت نقابة الاتحاد الوطني للشغل، أن “البرنامج الذي أطلقته الحكومة لتشغيل 250 ألف شاب بصفة مؤقتة على مدى سنتين من خلال عقود تبرمها جمعيات المجتمع المدني، والتعاونيات، والمقاولات، يتناقض مع الوعود الانتخابية للأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي، ومع البرنامج الحكومي الذي وعد بإحداث مليون فرصة عمل قار خلال خمس سنوات”.
وعبرت النقابة عن تخوفها من اختزال برنامج “أوراش” لهذا الدعم وتهميش الأبعاد الاقتصادية وفتح الباب للمقاولة بالتشغيل خارج القواعد القانونية وفي احترام لمبادئ الشغل اللائق، داعية إلى وضع منظومة واضحة للتتبع والتقييم وتقييم الأثر، وإلى إعداد إطار قانوني وتنظيمي بشكل دقيق وواضح من أجل ترشيد هذا البرنامج، وكذا وضع معايير واضحة ودقيقة للاستفادة تمنع من صرف المال العام في غير أهداف البرنامج، معتبرة أن الكثير من التدابير تحتاج إلى أحكام وقواعد قانونية وتنظيمية جديدة، ولا يمكن تنزيل هذا البرنامج إلا بهذه القوانين.
وطالبت بوضع معايير واضحة لاختيار الأشخاص المستفيدين من عقود العمل في إطار هذا البرنامج، وتوفير كافة الضمانات لاحترام تطبيق التشريع الاجتماعي والحماية الاجتماعية في هذه الأوراش، بالإضافة إلى وضع معايير واضحة لاختيار جمعيات المجتمع المدني، والتعاونيات، والمقاولات المستفيدة من هذا البرنامج.
بدورها، قالت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن “مشروع أوراش يعالج مشكل البطالة بشكل ظرفي ولم يأت بحلول بنيوية لها، وأقحم مجموعة من الأطراف الجديدة في سياسة التشغيل كالمقاولات والجمعيات والمجالس”، مضيفة أن “مشكلة البطالة يجب أن تأخذ على محمل الجد، لأنها تعتبر سببا رئيسيا للقلق الاجتماعي الذي ينمي مشاعر الإحباط والاستياء لدى الشباب، ومن أبرز تجلياته ظاهرة الهجرة السرية”.
وشددت على ضرورة قيام الحكومة بعرض برنامج “أوراش” على أطراف الحوار الثلاثي والمعنية بشكل أساسي بمشكلة التشغيل، متسائلة ما مصير 200 ألف مستفيد بعد مرور ستة أشهر من العمل، و50 ألف مستفيد بعد مدة 24 شهرا من العمل في ظل الدعم المخصص لهذا المشروع؟ وما مدى احترام المقاولات لهذا البرنامج في ظل النقص المسجل في عدد مفتشي الشغل؟
وأشارت إلى أن البطالة بالمغرب أصبحت بنيوية مع تخلي الدولة عن دورها الأساسي كمشغل إلى جانب القطاع الخاص وضعف النسيج الاقتصادي