صباح الشرق / زكرياء ناجي
تختزن مدينة العيون الشرقية وعموم المنطقة الشرقية العديد من الآثار التاريخية والشواهد الحضارية التي تؤرخ لمختلف المراحل والحقب التاريخية التي عرفتها المنطقة، وإذا كانت بعض الآثار التاريخية بهذه الجهة قد عرفت نسبيا بعض الاهتمام والتعريف سواء على المستوى المحلي أو الوطني فإن مثيلاتها بمدينة العيون الشرقية ما زالت لم تسلط عليها الأضواء الكافية سواء على مستوى التعريف أو التصنيف أو الدراسة، لتبقى بالتالي عرضة للإهمال والاندثار و التشويه، كقصبة المولى إسماعيل وسط المدينة و قلعة يقور بمنطقة بورديم التي تؤرخ للحقبة المرينية – الوطاسية ، و قصر عاجة بمنطقة الشرايع ( الحقبة المرينية – الوطاسية ) ، الى جانب القصبات التاريخية بمنطقتي تانشرفي و مستكمر .
لمحة تاريخية
قصبة المولى إسماعيل وسط مدينة العيون سيدي ملوك ، التي يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1679م ، تعد النواة الأولى لمدينة العيون الشرقية و أهم معلمة تاريخية بالمدينة ، التي لعبت دورا مهما في استتباب الأمن و قمع التمردات و حماية طريق القوافل التجارية التي كانت تنتقل بين مدينتي سجلماسة و تلمسان ( محج لحصاير ) و طريق فاس – تلمسان ( محج السلطان ) ، و قد شيدت على مساحة تقدر ب 16900 م ²، على شكل مربع يبلغ طول كل ضلع 130متر، ويصل علو جدرانها ما بين 6 و7 أمتار، كما أنها تحتوي على تسعة أبراج أربعة منها مثبتة في الزوايا الأربع للقصبة، و برجان بكل من الجهة الغربية و الشمالية وبرج في الجهة الشرقية، هذه القصبة منغلقة على نفسها وتنفتح على المدينة من خلال 3 أبواب صممت بطريقة ذكية هدفها حماية القصبة، باب قديم بالجهة الجنوبية ينفتح على السوق المغطاة والشارع الرئيسي للمدينة، وباب بالجهة الشرقية وبويبة صغيرة بالجهة الغربية .
قصبة العيون الشرقية ، بالإضافة لموقعها الاستراتيجي و مكانتها التاريخية ، فقد لعبت دورا مهما إبان فترة الاستعمار الفرنسي الغاشم ، حيث كانت تأوي العديد من المجاهدين و كانت بمثابة منارة للعلم ، تدرس وسط جامعها القديم علوم القرآن الكريم و الفقه و الشريعة …
تهميش ، ضياع و تسيب
إذا كانت هناك معلمة عريقة نالت حظا وافرا من التشويه والتهميش بمدينة العيون الشرقية فهي، بكل تأكيد، قصبة المولى إسماعيل التاريخية، التي أضحت تعيش، وبشهادة الجميع، وضعا مترديا على أكثر من مستوى. وإذا كان هناك من هو جدير بأن يأخذ بيد هذه المعلمة المهمشة فهي الجهات المسؤولة، التي تمتلك مفاتيح إنقاذ هذا الإرث الإنساني وإعادة الاعتبار التاريخي والحضاري له ، لكن من سوء الحظ فإن الذين بيدهم القرار يقفون وقفة المتفرج على القصبة وهي تندب حظها العاثر، فالأسوار المحيطة بها التي تآكلت بفعل العوامل المناخية و الأمطار مهددة في كل لحظة بالانهيار ، كما أن العديد من الزوايا تحولت لمطرح للنفايات و مراحيض في الهواء الطلق ، ما جعلها وكرا مفضلا للحشرات ومرتعا خصبا للقمامات والأزبال التي طالما أزكمت روائحها أنوف المارة ، بالإضافة للبراريك و المحلات التجارية الملتصقة بأسوار القصبة من الجهة الشرقية و الجنوبية و التي تحول بعضها إلى خراب ترمى داخله الأزبال بشكل مثير للانتباه .
ترميمات “ترقيعية” في انتظار رد الاعتبار لهذه المعلمة
الحالة المتردية التي وصلت إليها اليوم القصبة في ضل تآكل جدرانها بشكل شبه كلي و انهيار أجزاء من أسوارها التاريخية ، جعلت مصالح بلدية العيون سيدي ملوك تتدخل سابقا لترميم ما يمكن ترميمه بوسائل بسيطة و محدودة ، و هي الخطوة التي استحسنها العديد من المهتمين و المتتبعين على اعتبار أن الأمر لا يتحمل التأخير خصوصا و أن أسوار القصبة مهددة بالانهيار في أي وقت لا قدر الله ، في انتظار التفاتة من الجهات الوصية كوزارة الثقافة و الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية المهتمة بالمآثر التاريخية ، من أجل رد الاعتبار لها و الإسراع في صيانتها و ترميمها بشكل كامل … لأنها بكل بساطة نموذجا من نماذج المآثر التي تعاني التهميش واللامبالاة رغم أنها لا تقل مكانة عن بعض القصبات التي تنعم بكل العناية و التقدير ، فهي لم تستفد من الترميمات كمثيلاتها من القلاع والحصون .
الحالة هاته ، تجعل المجلس البلدي بمدينة العيون سيدي ملوك مطالب أكثر من أي وقت مضى ، ببذل قصارى الجهود من أجل إدراجها ضمن المآثر التاريخية للمملكة ، حتى يتسنى ترميمها و صيانتها لتكون رافعة للتنمية السياحية و الثقافية بالمنطقة